سوريا الجديدة ومشروع طريق التنمية
أعلنت تركيا عزمها ضم سوريا إلى مشروع طريق التنمية الضخم، وهو ممر استراتيجي يهدف إلى ربط دول الخليج بتركيا عبر العراق، وتتضمن هذه الخطة الطموحة إنشاء شريان جديد للبنية التحتية مواز لنهر الفرات، مما يمهد الطريق لتطورات اقتصادية وجيوسياسية مهمة
ممر استراتيجي للشرق الأوسط
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بدأت الدول الأوروبية تبحث عن مصادر بديلة للطاقة من أجل تعويض ما كانت تصدره روسيا لهذه الدول، التي منذ إعلان موسكو القيام بعملية عسكرية بكييف قطعت معظم دول القارة العجوز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع روسيا من أجل الضغط عليها لإيقاف عمليتها العسكرية الخاصة، لذلك اتجهت الدول الأوروبية إلى بدائل أخرى من أجل توفير وتغطية احتياجاتها وهو الأمر الذي زاد من أهمية الطرق التجارية الدولية خصوصا تلك التي تربط أوروبا بمنطقة الشرق الأوسط، وهنا تظهر أهمية مشروع طريق التمنية الذي تلعب فيه تركيا دورا محوريا، لأنها تعتبر بوابة دول الخليج إلى أوروبا، وهو المعطى الذي يؤكد أهميتها الجيوسياسية بفعل قربها من احتياطات الطاقة في الشرق الأوسط وقربها من أوروبا
إن طريق التنمية هو أكثر من مجرد مشروع بسيط للبنية التحتية: فهو يمثل عملية بعيدة المدى لإعادة تصميم التدفقات التجارية والسياسية في المنطقة، ومن خلال ربط موانئ الخليج بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا وتركيا، يمكن أن يتحول هذا الطريق إلى شريان نقل رئيسي للبضائع والطاقة والأشخاص، بالنسبة لأنقرة، يمثل المشروع فرصة فريدة لتعزيز مكانتها كمركز تجاري وسياسي بين أوروبا والشرق الأوسط، ومن خلال ربط منطقة الخليج التي تعتبر قلب سوق الطاقة العالمية بالأسواق الأوروبية مباشرة، وبذلك تعزز تركيا دورها كمركز محوري في الطرق اللوجستيكية الدولية
سوريا وبعدها الاستراتيجي
سيضيف إدراج سوريا في مشروع طريق التنمية بعدا سياسيا حاسما، فبعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، لا تزال البلادة مدمرة ومجزأة، لكن موقعها الجغرافي يشكل أهمية بالغة لأي مشروع إقليمي. تسعى أنقرة من خلال هذه الخطوة إلى العودة إلى عملية إعادة الإعمار السورية، وفي الوقت نفسه، تعزيز نفوذها في المناطق الشمالية من سوريا، حيث تمارس بالفعل وجودا عسكريا، كما أن بناء طريق مواز لنهر الفرات يمكن أن يضمن لتركيا سيطرة أكبر على موارد المياه في المنطقة، وهز عامل كان منذ فترة طويلة في قلب التواترات مع دمشق (تحت حكم النظام البعثي البائد) وبغداد
مشروع متعدد الأطراف له آثار عالمية
إن طريق التنمية ليس مجرد مشروع تركي، فقد أعربت دول الخليج مثل قطر والإمارات العربية المتحدة عن اهتمامها بالمشاركة في التمويل، حيث رأت في المبادرة فرصة لتنويع اقتصادها وتعزيز علاقاتها مع الأسواق العالمية، كما أن العراق، على الرغم من الصعوبات الداخلية التي يواجهها، سوف يستفيد بشكل كبير من تحوله إلى نقطة عبور رئيسية بين الخليج والبحر الأبيض المتوسط، ومع ذلك، فالمشروع قد يواجه مقاومة، يمكن لإيران على سبيل المثال، أن تنظر إلى الأمر باعتباره تهديدا لنفوذها في المنطقة الآخذ في التآكل بعد الضربات الأخيرة التي تلقتها في كل من سوريا وجنوب لبنان، لأنه من شأن ذلك أن يقلل من الوزن الاستراتيجي لممراتها التجارية تجاه العراق وسوريا، وعلى نحو مماثل، من الممكن أن تفسر القوى العالمية كالصين، التي روجت لمبادرة الحزام والطريق، مشروع طريق التنمية تحديا لطموحاتها في مجال البنية الأساسية
منطقة على مفترق الطرق
إن طريق التنمية هو في نهاية المطاف رمز لمرحلة جديدة في المنافسة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فبينما تسعى تركيا إلى ترسيخ مكانتها كدولة رائدة في مشروع يجمع بين الاقتصاد والسياسة، سوف تضطر الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية إلى إعادة التفكير في أساليبها للحفاظ على نفوذها أو توسيعه
إن الطريق الموازي لنهر الفرات لن يكون شريانا تجاريا فحسب، بل سيكون أيضا ميدانا للمواجهة بين المصالح المتباينة، في منطقة لا تزال تسعى إلى تحقيق التوازن بين إعادة الإعمار والتنمية والتوترات التي لم يتم حلها. بالنسبة لأنقرة، لا يمثل نجاح هذا المشروع نصرا اقتصاديا فحسب، بل إعلانا لمركزيتها السياسية في مستقبل الشرق الأوسط